قبل ذكري 25 يناير -ما الذي حققه المصريون من "ثورة" 1919؟

هل تعلم أن مصر كانت قد سددت جميع ديونها المستحقة منذ عهد الخديوي إسماعيل قبل الحرب العالمية الأولى، بفضل الإصلاحات الإدارية والمالية التي قادها اللورد كرومر، المندوب البريطاني؟ وهل تعلم أن الاحتلال البريطاني أنهى فعليًا الاضطراب الذي ميز حكم الأسرة الخديوية، الذي أغرق مصر في الديون وأفقدها استقلالها المحدود؟

كما أن البريطانيين كانوا من أبرز القوى الأوروبية التي سعت لإنهاء الامتيازات الأجنبية وإصلاح النظام القضائي المختلط، وهو ما شجع على تأسيس قضاء أهلي حديث. هذه الجهود أثمرت في النهاية بإلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1949، بفضل التعاون بين بريطانيا والحكومة المصرية، رغم المعارضة الأوروبية القوية.

لكن، ما الذي قدمته ثورة 1919 للمصريين؟ هل حققت مكاسب اقتصادية؟ أم أن ما جرى اقتصر على تخريب خطوط السكك الحديدية، تكبيد الاقتصاد خسائر فادحة، وسقوط مئات القتلى والجرحى؟ صحيح أن مصر حصلت على استقلال اسمي عام 1922 بتصريح أحادي الجانب من بريطانيا، وصحيح أن دستورًا صدر بقرار ملكي، لكنه ظل أداة بيد الملك الذي هيمن على الحياة السياسية لعقود.

الحزب الأكثر شعبية، "الوفد"، لم يتمكن من الحكم سوى لسبع سنوات متقطعة ضمن ديمقراطية شكلية لم تنجح في تحقيق الاستقلال الحقيقي عن بريطانيا، ولا في بناء نظام سياسي قوي يحميها من تصاعد القوى المناهضة للديمقراطية مثل "مصر الفتاة" و"الإخوان المسلمين". وفي النهاية، عجز النظام عن حماية نفسه من انقلاب عسكري قاده مجموعة من صغار الضباط، ألغى الدستور، وحل الأحزاب، وأطاح بالملك، وحقق جلاء الإنجليز نهائيًا باتفاقية 1954.

فماذا بقي من ثورة 1919؟ هل تغير الاقتصاد الزراعي القائم على تصدير القطن للسوق البريطانية؟ هل ارتفعت معدلات التعليم أو محو الأمية؟ هل حظيت المرأة بأي تمكين حقيقي، ولو بمد حق التصويت إليها؟ الإجابة بكل وضوح: لا. الأرقام والوقائع تُكذّب كل من يظن أن الهياج الشعبي وحده يكفي لإحداث التغيير.